الاثنين، 3 أبريل 2017

قراءة وتساؤلات حول النشاط الحقوقي في سلطنة عمان



بين فترة وأخرى؛ تصدرُ ما تُعرف بـ"المنظمات الحقوقية" تقارير وبيانات عن حقوق الإنسان في بعض الدول، وتعمل على تقيّم الدول حسب المعايير التي وضعتها تلك المنظمات، ولأن السلطنة جزء من العالم فقد شملها نشاط تلك المنظمات، وتنال منها بعض الانتقادات الانتقائية، وللأسف فإن تلك الانتقادات لم تتعرض لنقد أو قراءة موضوعية، فهي تمثل وجهة نظر مصدرها، وإن حدث هناك تفنيد أو قراءة نقدية فإنه يصدر من جهة تمثل الطرف الآخر وليس الطرف "المحايد"، فيا ترى ما حقيقة الوضع الحقوقي في سلطنة عمان؟ وما هو الهدف الحقيقي لبيانات المنظمات الحقوقية؟وما هو مصدر تمويلها؟ وما مدى تأثر وارتباط الحقوقيين بالسلطنة بهذه المنظمات؟.

 الأسئلة قد تطول، لكن دعونا نتطرق على عُجالة للصورة العامة فيما يتعلق بالوضع الحقوقي بالسلطنة، فنذكر من تلك الصورة:


-ورد في النظام الأساسي للدولة (الدستور)، في المادة رقم (29): (حرية الرأي والتعبير عنه بالقول أو الكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون)، وحددت المادة رقم (31) من النظام الأساسي بعض تلك الحدود، فتقول المادة: (حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس أمن الدولة أو يسئ إلى كرامة الإنسان)، كما حدد قانون الجزاء العماني عقوبة تلك التجاوزات في المادة رقم  (135) منه. وخلاصة ما يُفهم من المادة: لك أيها المواطن أو المقيم حرية التعبير وقول وجهة نظرك بكافة الوسائل، لكن هذه الحرية ليست مطلقة تماما، بل هي مؤطّرة وفقا للحدود المتعارف عليها دوليا وتشريعيا ، فلا يمكن أن تسب وتشتم شخص آخر بوسائل علانية وتقول أنها "حرية التعبير"!، ففي هذه الحالة من حق الشخص المتضرر رفع قضية ضدك، كما لك الحق أيضا لو كنت مكانه، وهذا ما ينطبق على باقي الخطوط الحمراء المتعارف عليها قانونيا و"عُرفيا"، وعلى نفس القياس فإنه لا يمكن أن تسبب ضرر في أمن الدولة كالتقليل من هيبتها أو شتم شخصية اعتبارية دون مساءلة وتقول حرية شخصية!، فهناك حدود وضوابط لهذه الحرية. فـ "حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".

-قامت السلطنة بالتوقيع على أغلب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تتشعب من لجان منظمة الأمم المتحدة ومنها مجلس حقوق الإنسان-حسب ما هو موثق رسميا؛ فصدرت عدة مراسيم سلطانية تعلن توقيع السلطنة لهذه الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان بكل أشكالها، ومنها مرسوم عام 2002م بالتصديق على انضمام السلطنة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ومرسوم للموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية حقوق الطفل عام 1996م، مرسوم للموافقة على انضمام سلطة عمان إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 2005م، ومرسوم للتصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة عام 2008م. وهذا أمر إيجابي إذ يفرض على الحكومة –أخلاقياً- الالتزام بما ورد فيها.

-صرّح وفد السلطنة في الأمم المتحدة في الكلمة الافتتاحية لاجتماع  سيداو أن السلطنة في طور توقيعها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري. كما أكدت السلطنة لاحقا موافقتها للانضمام لتلك الاتفاقيات خلال الاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2015م، وبتوقيعها على تلك الاتفاقيات ستكمل العِقد الحقوقي الدولي. وفي انتظار التوقيع النهائي على تلك المعاهدات.

-أبرز ما يُؤخذ على السلطنة من قِبل المنظمات الحقوقية هو ما يخص اعتقال بعض الأشخاص ومحاكمتهم وفقا لقانون جرائم تقنية المعلومات، وهذا فيه اختلاف شاسع في وجهات النظر بين الطرفين، فما تراه المنظمات الدولية أمراً عادياً يعتبر في المجتمعات العربية بصفة خاصة مجرّم، فمثلاً التجديف في الذات الإلهية يعتبر خط أحمر وفقا للشريعة والقانون والعُرف الثقافي والديني والاجتماعي، ومن الطبيعي محاكمة من ينشر علانية مجدفاً في الذات الإلهية أو ناشراً للإلحاد، بينما المنظمات الدولية تعتبره ضمن إطار حرية الرأي ، وعلى هذا قس ما يتعلق بإثارة الفتنة المذهبية والطائفية والمناطيقية، وما يتعلق بالشتم والقذف والتقزيم للشخوص.

-تنتقد بعض المنظمات الحقوقية وضع العمالة الوافدة في السلطنة  وخاصة عاملات المنازل، إلا أن قانون العمل العماني به من المواد القانونية ما تكفل الحماية للعامل ورب العمل، وما يحدث في بعض الأحيان من تجاوزات تعتبر فردية ويتحملها أحد الطرفين (العامل أو رب العمل) حسب خلفيات كل حالة، والفيصل في ذلك هو القانون والقضاء، ولا تحتمل هذه القضية لزجها في ملف انتقادات حقوق الإنسان-طالما يوجد قانون يكفل حق العامل.

-أنشأت السلطنة لجنة خاصة لحقوق الإنسان، تحت مسمى (اللجنة العمانية لحقوق الإنسان) المقرر إنشاءها بالمرسوم السلطاني رقم (124/2008)، وهذه خطوة إيجابية كبيرة، فهي ستكون تحت تحدي كبير لاستيعاب الحالات المتضررة ومعالجة موضوعها، وقد يبرز نشاطها لنا كمتابعين في بعض الحالات التي تطفوا على مواقع التواصل الاجتماعي. وحسب موقع اللجنة فإن المرسوم السلطاني القاضي بإنشائها قد حدد لها عدد من المهام أبرزها: متابعة حماية حقوق الإنسان وحرياته في السلطنة وفقا للنظام الأساسي للدولة ، والمواثيق والاتفاقيات الدولية،رصد أية مخالفات أو تجاوزات متعلقة بحقوق الإنسان في الدولة والمساعدة في تسويتها وحلها، ورصد ما قد تثيره الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان في السلطنة والتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق منها والرد عليها، وغيرها من المهام المنوطة بها.


هناك العديد من النقاط التي يمكن ذكرها ضمن هذا الإطار المتعلق بالجانب الحكومي، لكن نكتفي في هذا المقال بما ورد، على أمل أن نستأنف باقي النقاط والتساؤلات المذكورة في المقدمة في تدوينات لاحقة ضمن سلسلة "النشاط الحقوقي في سلطنة عمان"، ونأخذ الموضوع من كافة الجوانب من منظور حيادي.



حكاية نفر الأثنين 2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق